القائد أوجلان… لن أخون أحلام طفولتي

“لا أريد خيانة أحلام طفولتي” قد تبدو هذه العبارة مجرد مقولة عادية لشخص ما، لكن مضمونها يكشف فلسفة وفكر قائد يحول من أحلام طفولته إلى أساس لثورة معاصرة،

ذلك الشخص هو قائد الشعب الكردي عبدلله أوجلان الذي يتناول محيطه وأحداث طفولته كأساس ومبدأ لتشكيل شخصيته وفلسفته ليصل بعدها إلى مستوى أعلى من القيادة ومفتاح الحل لمسائل شعب.

كيف كانت حياة القائد أوجلان؟

ولد عبدلله عمر أوجلان المعروف بعبدلله أوجلان في 4 نيسان 1949 في قرية آمارا في ناحية خلفتي التابعة لرها.

كانت عائلة القائد أوجلان كغالبية العائلات تقليدية مؤلفة من نمطين، الأم مسيطرة والأب بسيط وبدون سلطة، أثرت والدته في ذاكرته كثيراً، حيث يقول: “أمي كانت أول معلمة لي في حياتي.”

ديمغرافية مكان ولادة القائد أوجلان كانت تحتوي غالبية الأعراق ومكونات الشرق الأوسط فيها، منهم الأرمن والآشوريين والكرد والعرب والترك والتركمان، وهذا ما جعل رؤية القائد مختلفة في موضوع الحياة المشتركة للمكونات والقوميات معاً.

يتوحه أوحلان مع رفاقه إلى مدرسة قرية جبين والتي تبعد خمس كيلومترات عن قريتهم ولمدة خمس سنوات غير مبالين بكل ظروف الشتاء القاسية من الثلوج والأمطار، وفي البيت كان يساعد والده عمر وينهي واجباته المدرسية ليلاً على ضوء القنديل، وحينما كان في الصف الثالث الابتدائي، سأل معلمهم كل الصف بالتسلسل: “ماذا ستصبح عندما تكبر؟” نهض قائد الشعب الكردي عبدلله أوجلان مباشرة من مكانه وجاوب: “سأصبح طيارا.”

كانت في القرية عداوةٌ بين عائلته وعائلة أخرى، لكن القائد أوجلان كان صديقاً لابنٍ من تلك العائلة يدعى حسن بيندال، فكانت جدة القائد أوجلان تنهره على تلك الصداقة، لكن القائد أوجلان لا يترك صداقته مع الذي ينضم فيما إلى صفوف حزب العمال الكردستاني ويرتقي شهيدا.

ويرى القائد هذا الحدث بداية للحياة المشتركة حيث يستطيع الإنسان التفاهم والتقارب مع العدو أيضاً.

“المرأة في طفولة القائد أوجلان”

أحد المبادئ الأساسية لفكر القائد أوجلان هو موضوع المرأة وحرية المرأة، حيث أعاد تعريف التاريخ ودور المرأة من جديد، ليعرفها بـ” قائدة المجتمع.”

شكل موضوع المرأة والزواج المبكر تناقضاً لدى القائد أوجلان منذ الطفولة، كمثال على ذلك كانت توجد ابنة عم صديقه حسن الذين كانوا يلعبون معا ًمنذ الطفولة، فيقول القائد أوجلان عند تزويجها: “بعقلي الطفولي كنت أقول، لماذا يجب أن تتزوج المرأة؟ لماذا تخرج من بيتها ومكانها؟ لماذا على المرأة النشطة أن تكبت؟” ومن هنا يحتل موضوع النساء صدارة في فكر وآراء القائد أوجلان”

انتفاضة البداية

يعمل القائد أوجلان في الحقول والبساتين ويساعد والده ويعرف التعب منذ طفولته المبكرة، ويدخل صراعاً كبيراً مع أخيه محمد لتبني تعبه وجهده، وعندما يلجأ أخاه إلى والدهما يتخذ موقفا ضده ويبدأ بانتفاضته الأولى، يخرج عشر ليرات من جيب والده ويخرج من القرية يذهب إلى أخته بلقيس (نيزيب).

“المطالبة بالحقوق”

كنية القائد أوجلان هي أوجلان وهي تعني الثائر، في أحد الأيام يتصارع القائد أوجلان مع بعض أطفال القرية فيكسر الطفل الآخر رأسه فيعود القائد أوجلان للبيت عندما تراه أمه تشجعه على أخذ حقه وإلا لن يعود للبيت لحين انتقامه.

يقول القائد أوجلان: “كان مثيراً لي جداً لماذا يجب أن نتحدث التركية في المدارس وفي البيت نتحدث الكردية، فلماذا لا نستطيع تحدث اللغة الكردية في المدرسة أيضاً”، يرى القائد أوجلان في هذا تناقضاً كبيراً.

“لنقم بانقلاب”

في مرحلة طفولة القائد أوجلان تمر تركيا بوضع سياسي متعدد، بالأخص سنوات 1960 كانت تركيا في أزمات كبيرة، يقول القائد أوجلان: “كنت أتحدث مع صديقي عزيز، وأقول له يجب أن نقوم بانقلاب، سأكون قائد القوات الجوية وأنت قائداً للقوات البرية، سنقوم هكذا بانقلاب ونحسن وضع الوطن.”

وضع العائلة الاقتصادي لم يكن جيداً، ولكي لا يشكل عبئاً على العائلة يفكر الدخول للحياة عبر الطريق الأقصر، يحصل على القبول في مدرسة تابو كاداسترو في أنقرة مع صديقه الذي بدأ معه مدرسته الابتدائية وأنهوا معاً المدرسة المتوسطة أيضاً، في هذا الوقت يكون في بحث مستمر، فبات في عاصمة السياسة الاستعمارية، وهناك يتعامل للمرة الأولى مع السياسة وحقيقة الكرد ويراها، فميله للدين أقوى، فيشارك في محاضرات وحلقات النقاش لنجيب فاضل كساكورك، لكن الاشتراكية يكون خياراً أمامه، وبعد قراءته لكتاب “أبجدية الاشتراكية” يهتم بها أكثر.

ينهي المرحلة الثانوية بنجاح، ويتم تعيينه كموظف في آمد، عاصمة الكرد، التي كانت لها أهمية واضحة في حياته لمعرفة حقيقة الكرد، وبات ينشغل هنا على حقيقة الكرد وكردستان، ويدخل في نقاشات موسعة مع الطلاب الكرد في مدرسة المعلمين أرخانيه، ويدعمهم دائماً، ويصبح مركزاً سياسياً، عندما يعمل موظفاً في تابو كاداسترو يقبض بعض المال من آغا كرشوة، لكنه لا يتصرف بهذا المال، يخبأها للتنظيم الذي يخطط له في رأسه والذي سيشكله لاحقاً، وتتحول حقيقة الكرد وكردستان في رأسه إلى مسودة عمل.

بعد سنة من العمل كموظف، يلتحق بامتحانات القبول الجامعي، فيحصل على القبول في كلية الحقوق في اسطنبول عام 1971 ويسجل فيها، لكن بحثه يستمر، وفي سنة الدراسة عام 1972 يدخل كلية العلوم السياسية في أنقرة، ويتأثر هناك بالعمليات العسكرية وإعدام ماهير جايان ودنيز كازميش، ويتعمق في عمله السياسي، ويقود نشاطات وفعاليات المناهضة للإعدام، يتم اعتقاله خلال نفس العام ويضعونه في سجن ماماكة، ويعتقل لمدة تسعة أشهر، عندما يخرج من السجن، ليس لديه مكان يذهب إليه، فبناءً على اقتراح أحد أصدقائه في السجن يذهب إلى منزل كمال بير وحقي قرار كطالبين من البحر الأسود يدرسان في أنقرة، فزمالة السكن التي بدأت هنا تتحول خلال فترة قصيرة إلى أفكار سياسية مشتركة وتشكيل التنظيم معاً، ومن خلال شخص أولاد مازوبوتاميا وأناتوليا يطلقون مبدأ التعاون الثوري للشعوب.

عام 1973 في سد جوبوك في أنقرة يجتمعون للمرة الأولى تحت شجرة هناك لتشكيل تنظيم كردي.

وفي عام 1974يقوم القائد أوجلان مع مجموعة من الطلاب بتشكيل “جمعية طلاب الدراسات العليا الديمقراطية في أنقرة.

في هذا الوقت يتم البحث والتحقيق العقائدي، يقول القائد أوجلان: “عندما تحدثت عن مصطلح مستعمرة في البداية أغمي علي”، الدولة تتابعها لكن لا تعرف كثيراً ماذا ستفعل، لهذا ترسل لهم الطيار نجاتي الاستخباراتي إلى ضمن المجموعة، في عام 1976 يعقد مع المجموعة اجتماع ديكمان في أنقرة، ويظهر البرنامج السياسي في البداية الذي كتبه خيري دورمش، في تلك المجموعة كان أصدقاؤه موجودين مثل حقي قرار وكمال بير وجميل بايق ومحمد خيري دورمش ومظلوم دوغان ودوران كالكان وعلي حيدر كايتان.

بعد النقاشات الكثيرة يتم اتخاذ قرار “العودة للوطن”، القرار الكبير جداً والتاريخي في ظل ظروف تلك الفترة، وبهذا الشكل، يقوم أعضاء المجموعة التي نظمت نفسها في أنقرة بترك المدارس والبدء بالعمل باسم “ثوار كردستان” لأجل “ثورة كردستان”، وتظهر مجموعات يسارية جديدة، لا تظهر بمجلة أو جمعية، مجموعة غير شرعية لكن لا يعملون بالسلاح أيضاً، ينظمون أنفسهم ضمن الشباب في كل أنحاء الوطن، ويبدأون بوضع بذرة بناء الشباب في العديد من المدن.

في نيسان 1977، يبدأ القائد عبدلله أوجلان سلسلة اجتماعات كـ” سفر كردستان”، تبدأ الاجتماعات في بازيد سرحد وتنتهي في 12 أيار 1977 في ديلوك بمشاركة وحضور واسع، يعمل حقي قرار هناك، والقائد أوجلان بعد أن يتم “سفر كردستان” يعود إلى أنقرة.

بعد تشكيل حزب العمال الكردستاني وكاحتراز منه في 2 تموز 1979 يدخل القائد أوجلان إلى كوباني عبر خط برسوس رها عبر أدهم أكجام الذي يدله على الطريق، في سوريا يقيم علاقات مع الحركة الفلسطينية، ويقوم بالتحضير والإعداد ويطور العلاقات الدبلوماسية ويفتح ساحة جديدة للعمل.

الأحداث التي كانت في حياة القائد أوجلان وعمله الجماعي وحرية المرأة وكفاحه ونضاله والانتفاضة ورفض العادات والتقاليد الاجتماعية والحياة المشتركة وبعدها تأسيس حزب العمال الكردستاني والتنظيم الفكري كانت جميعها أحلام طفولة تحولت إلى مبدأ أساسي لفلسفته وآرائه التي أصبح للعالم اليوم المثال الرئيسي لخط الكفاح والحياة للحصول على الحقوق.

روج نوس.مركز الأخبار

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى