لكل بيت قصة مؤلمة… تل عزير
في كل منطقة وقرية وشارع في شنكال، العديد من الجروح العميقة، صرخة شانة خوديدا هي إحدى تلك الصرخات التي وصلت إلى عنان السماء.
يقول الأيزيديون “لأن عقيدتنا هي الديانة الأقدم، يريد الجميع تدميرنا”. تسمع هذه العبارة من الأطفال والكهول وتشعر بصدق هذه العبارة. بالإضافة إلى ذلك يُقال إنه “إذا بقي طفل إيزيدي واحد، فلن ننتهي نحن الإيزيديين”. وهذا يدل على ثقافة المقاومة لدى الإيزيديين التي تمت حمايتها لمئات السنين واعتمدوا عليها بكل قوتهم.
لذا وعلى الرغم من تعرضهم لـ 74 من المجازر المعروفة، اليوم يقف المجتمع الإيزيدي على قدميه وأصبح أقوى من ذي قبل.
عندما يتعلق الأمر بجراح المجتمع الإيزيدي، فإن الصورة الأكثر إيلاماً التي لا تزال أمام أعين الجميع هي مجزرة 3 آب/أغسطس عام 2014. لكن في الواقع، واجه المجتمع الإيزيدي الكثير من الألم والوحشية والظلم والدمار والقتل لمئات السنين. لكن كل هذا ظل محبوس في أذهان الناس في ذلك الوقت ولم يكونوا قادرين على الصراخ. ما حدث في 3 آب/أغسطس عام 2014 ليس المرة الأولى. فقد حدثت المئات من المجازر. وقد زعزعت هذه المجازر كل الفرح والأمل والحياة الجديدة والسلام والحرية لهذا المجتمع. وفي حين لم تلتئم جروح الإيزيديين بعد وفي خضم محاولاتهم للشفاء، يُعاد فتح جروحهم مرة أخرى.
في كل بيت قصة مؤلمة
الانفجار المعروف بانفجار تل عزير، وسيبا شيخ خضر، هي مجازر خلفت وراءها صورة تظهر عار الإنسانية. فتحت سيطرة بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني PDK في 14 آب/أغسطس 2007، أدخل القاعدة بتأهب واستعدادات كبيرة جداً أربع سيارات كبيرة مليئة بالمتفجرات إلى شنكال، اثنتان منها توجهت إلى ناحية تل عزير والأخرى إلى سيبا شيخ خضر. سرعان ما لاحظ القرويون في سيبا شيخ خضر السيارات المتوجهة نحوهم وعرفوا أنها مفخخة وتم تفجيرها في البرية. لكن السيارتين اللتين دخلتا تل عزير تم تفجيرها وسط الناحية. ونتيجة لذلك، قُتل ما يقرب من 400 امرأة وطفل ورجل وجرح حوالي 500 شخص. ونظراً لأن هذه السيارة دخلت من حواجز بيشمركة PDK، فإن الأيزيديين يرون PDK شريك في هذه المجزرة. ترك هذا الانفجار ندوباً مؤلمة جداً، وفي كل منزل في تل عزير توجد قصة مؤلمة.
“جراحي لم تلتئم بعد”
في شنكال، لكل منزل إيزيدي قصة مؤلمة تهز ضمير الإنسانية. قصة منزل ميرزا من تل عزير هي قصة مؤلمة وصعبة للغاية. شانة خوديدا واحدة من الأمهات اللواتي لم يلتئم جرحها. لكن على الرغم من كل الجروح في قلبها ظلت مبتسمة. وكأن النور كان يشع من وجهها، وهذا النور سمح لنا بدخول منزلها وإجراء محادثات طويلة معها. في البداية، لم ترغب في الحديث عن ألمها، وقالت “سأزيل القشرة عن جرحي بالحديث عن ذلك اليوم، ولن يتغير شيء”.
فتح PDK لهم الطريق
تحدثت شانة خوديدا عن خيانة الحزب الديمقراطي الكردستاني لهم “كان لدى البشمركة معلومات. فقد قالوا لنا قبل 10 أيام لا تأتوا إلى وسط تل عزير، سيكون هناك انفجار. قالوا إن مركبات كبيرة يتم تجهيزها في الوادي خلفنا وسوف يتم تفجيرها بيننا. هذه المعلومة انتشرت ولكننا لم نتمكن من منع حدوث ذلك”.
وأضافت “كنت في بيت جيراني. كنا نتناقش فيما بيننا، عندما مرت السيارات سمعنا صوتاً. كنا ما نزال نقول إن هذه السيارات مختلفة وأن شكلها مريب، عندما سمعنا صوت انفجار كبير وقوي. اهتزت الأرض تحتنا، وأمطرت السماء بالغبار، وانهارت الأبواب والجدران، وتطايرت الأجساد وكل شيء في السماء. اعتقدنا أن إعصاراً قد حدث”.
“دفنت ابني مع الخاتم الذي بيده”
وتحدثت عن موت ابنائها الذين أصبحوا جرحاً في قلبها “جاء البعض وقالوا لي أن أبنك صباح سقط هناك. ركضت بأسرع ما يمكن وذهبت إلى مكان الانفجار. رأيت ابني ملقى على الأرض مغطى بالتراب والدم. ناديته بكل قوتي لكنه لم يرد علي. اعتقدت أن ابني فقط كان هناك، لكنني رأيت مئات الجثث في تلك الساحة. كنت أستعد لحفل زفافه، وقد أعددنا كل شيء لذلك، لكن الاستعدادات تحولت إلى حزن وعزاء. كان خاتم الخطوبة في إصبعه، وضعت خطيبته خاتمها في يد ابني. إلى أن أموت ستبقى غصتهم في قلبي. لم يسمح لي أعداؤنا برؤية ابني كعريس. أردت أن أحضنه بملابس جميلة وأغني له. لكن بدل ذلك احتضنته أرض شنكال وحمته في داخلها. ابني هو أمانة لدى هذه الأرض المقدسة”.
“حولت الخيانة كل شيء إلى حزن”
لم يكن صباح وحده من فقدته شانة خوديدا في ذلك الانفجار، لقد كان لديها ابن آخر، وكان هذا الابن متزوجاً أيضاً ولديه أطفال “ابني الآخر نواف كان مفقوداً، لم نعرف أين هو. قلنا إنه لو كان على قيد الحياة، لكان عاد إلى المنزل. بحثنا في الساحة التي وقع فيها الانفجار كثيراً، لكننا لم نعثر عليه بعد حلول الظلام. كنت أدعو أن يكون على قيد الحياة. في الصباح التالي عندما أشرقت الشمس ذهبنا ورأيت ابني نواف في تلك المنطقة تحت الجدران. ماذا يجب أن أقول الآن، ما الذي يجب أن أتحدث عنه؟ تم أخذ ولداي من دون أن يروا جمال هذه الحياة بالخيانة والوحشية”.
“الموت على هذه الأرض شرف كبير”
قالت إنه طالما كان هناك إيزيدي، فأنهم سيتعرضون للمجازر، وأنهم صامدون وسيكافحون دائماً. كما وصفت موجة الهجرة من شنكال بأنها مجزرة أخرى وقالت إن أولئك الذين يحمون الإيزيديين هم أولئك الموجودون على هذه الأرض وليسوا أولئك الذين تخلوا وابتعدوا.
واختتمت حديثها بالقول “اليوم أيضاً نتعرض لمجزرة. حيث يتوجه العديد من الإيزيديين إلى خارج شنكال ويتخلون عن أرضهم. هذه أيضاً مجزرة، لكن الإيزيديين أنفسهم لم يشعروا بها، وأعينهم مغمضة. إنهم يهربون من الموت والحرب، لكن الموت والحرب في كل مكان. كلما تفرقنا كلما ضعفت عقيدتنا. يجب على الذين يدعون حماية هذه العقيدة البقاء على هذه الأرض. أولئك الذين يبتعدون عن هذه الأرض يبتعدون أيضاً عن إيمانهم وعقيدتهم. لكننا نحن الباقون، سنقاوم دائماً ولن نتخلى أبداً عن مقاومتنا. أنه لشرف لي أن أموت هنا من أن أموت في دول اجنبية”.
نسرين حسين. شنكال