قصة من قصص صرخة المجزرة الـ 74 صنعت عشاً من شعرك الملون بالحناء (4)
حين تنظر بيريتان شنكالي إلى الطرق التي مرت بها، يلفت انتباهها أعشاش الطيور الموجودة على قمم الأشجار.
أطالت شعرها من أجل الحرية
صنعت الطيور أعشاشها من شعر النساء. هذا الشعر يخص الأمهات اللواتي قُتلن في السوق القديم يوم المجزرة، واغتصبن وقُطعت أعضاء أطفالهن وأجبرن على أكلها. كان هذا شعر الفتيات اللواتي دفن وهن ما زلن أطفالاً. قامت بيريتان شنكالي الآن بإطالة شعرها من أجل الحرية.
ربما التزمت بيريتان شنكالي الصمت في البداية حيال الأحداث التي عاشتها. لم تكن تعرف كيف تهرب، هل يمكنها النجاح أم لا. جسدها الصغير، الذي كان يعاني من الجوع الشديد والعطش، أجبرها على البقاء قوية. عندما التقت بعائلتها، لم تستطع أن تعيش حالة الفرح والنجاة بسبب ما تركته خلفها.
تقول بيريتان شنكالي “عندما توجهت نحو الهضاب، كنت أشعر بخوف كبير، لكن بعد ذلك رأيت أشخاصاً على قمة الهضاب، وهذا جعلني أشعر بالارتياح. وهذا ما أمدني بالشجاعة. لقد كان شعوراً يصعب وصفه. ثقل الأمور التي تركتها ورائي، وفرحة الترحيب بالأشخاص الذين رأيتهم أمامي، كنت أعيش الأمرين معاً. لأنني لم أستطع حمل الطعام والماء اللذين أحضرتهما معي، فقد تركتهم ولم يبق معي سوى بندقية أبي. عندما كنت ذاهبة إلى الجبال كان من الصعب حملها أيضاً. وعندما رأيت الناس ارتاح قلبي وذهب خوفي ولم يبق سوى غضبي. ذهبت مع أولئك الذين بقوا في الخلف إلى جلميرا، وعندما وصلت هناك بدأت في البحث عن عائلتي. من الجيد أنه لم يكن من الصعب العثور عليهم. عندما وجدت عائلتي، ركضت وعانقتهم واحداً تلو الآخر. لكن ما تركته ورائي، لم أستطع إنقاذهم. لقد غمر الغضب قلبي لدرجة أنني أخبرت عائلتي بما حدث. كانوا أيضاً قلقين جداً واعتقدوا أنني لن أعود بعد الآن. عندما رأوني أمامهم زغردت أمي”.
كانوا ينظرون إلى شنكال لعدة أيام متواصلة
كانت هناك 20 عائلة مع بيريتان شنكالي وعائلتها في جلميرا “كان هناك العديد من الأطفال. في الفترة الأولى، كان لدينا طعام، ولكن بعد ذلك بسبب نفاد كل طعامنا، عانينا كثيراً. كانت الليالي شديدة البرودة في جلميرا. من أجل البقاء هناك ليلاً ونحمي أنفسنا من البرد، حفرنا الأرض، وقمنا ببناء جدار حجري حولها واحتمينا من البرد لفترة من الوقت. خلال النهار، اعتدنا الذهاب إلى جانب الجبل الذي يطل على مركز شنكال، حيث كنا نجلس على الصخور ونراقب شنكال لساعات. أحياناً كان يُسمع صوت المدافع وأحياناً صوت الصراخ. كان هناك عدد كبير من الناس في جمليرا. في الوقت نفسه، كان لدينا غنم، كنا نشبع عطشنا بحليب الغنم، حتى لو كان قليلاً، وقمنا بحماية أنفسنا من الجوع بلحومها. لكن تناول اللحوم بشكل مستمر كان ثقيلاً جداً على الجميع. مشكلة الملح والسكر جعلت الجميع عاجزين. كانت معنا امرأة حامل. أنجبت توأماً في جلميرا. لم يكن لدينا ما نكسو به الطفل. قمنا بلفهم بالأكياس. كان من الصعب جداً حمايتهم وتدفئتهم. لا أعرف ماذا حدث لهم. كنا بأمان في الجبال لكننا كنا خائفين من وصول المرتزقة إلى أعالي الجبال. في بعض الأحيان كانوا يقولون “المرتزقة قادمون”، فنترك مكاننا ونهرب. انتشرنا جميعاً في الحقل بحثاً عن مكان للاختباء. وقفنا بهدوء وخوف في مخبأنا لفترة من الوقت، وراقبنا محيطنا وعندما أدركنا أن المرتزقة لن تأتي، عدنا إلى مكاننا”.
تلقوا مساعدات غذائية من الجو
تتحدث بريتان شنكالي عما حدث معها عندما جاءت المساعدات، ومن خلال حديثها جعلت تلك اللحظات تنبض بالحياة في أذهاننا “في يوم آخر قالوا أن المرتزقة قادمون لذا بقينا هناك لفترة من الوقت. كان هناك صوت من بعيد، ليس من الأرض بل من السماء وبعد فترة ظهرت طائرات الهليكوبتر المحملة بالمساعدات. كانوا يسقطون الطعام والماء من الهواء. خرجنا جميعاً من مخابئنا وبدأنا نركض نحو المروحيات. كنا سعداء لأنهم أحضروا لنا الطعام والماء، من ناحية كنا نأمل أن يأخذونا بعيداً. ودون أن تحط الطائرات ألقوا الماء والطعام. وانفجر معظم الماء الذي ألقوه على الأرض. وفي تلك الحالة كنا راضين عن ذلك أيضاً. كانت الحزم التي ألقوها كبيرة وثقيلة، وأحدثت الكثير من الضوضاء عندما ارتطمت بالأرض. تم رمي الطرود التي تم إلقاؤها حسب عدد الأشخاص. عندما تم إسقاط الطرود وحتى لا تسقط فوق رؤوسنا، اتبعنا مسار الطرود وقمنا بحماية أنفسنا وفقاً لذلك، حتى لا يترك أحد الطرود التي تم إلقائها في تلك اللحظة أصيبت امرأة وماتت هناك في نفس الوقت. لا أعرف كيف أصف هذا الشعور، من ناحية، حصلنا على الماء، ومن ناحية أخرى، امرأة أنقذت نفسها من المرتزقة وعانت الكثير من المشقة لعدة أيام، فقدت حياتها أمام أعيننا”.
بموت تلك المرأة تحولت فرحة بيريتان شنكالي والناس من حولها إلى ألم
وأضافت “كنا سعداء للغاية بالماء والطعام الذي جاء إلينا، لكن وفاة تلك المرأة والطريقة التي ماتت بها أحزنتنا. زوج وأبناء المرأة المتوفاة أخذوها لدفنها تحت إحدى الصخور وساعدهم الجميع. حفروا تحت الصخرة ودفنوها هناك. مع أكثر طقوس الإيزيديين صمتاً، تم دفن جسدها الذي فقد الروح. لقد دفنت في أرضها. إذا تم تطهير شنكال ذات يوم من المرتزقة، فسيتم إخراج المرأة من تحت الحجر ودفنها في قريتها، ثم في المنزل الذي تعيش فيه، ثم بجوار القبة التي تخصها. هكذا هي طقوس الإيزيديين”.
انتظر الإنقاذ
تقول بريتان شنكالي إنهم شعروا مع كل يوم يمر بثقل الجوع والعطش في أجسادهم أكثر فأكثر، وتذكر أنه عندما وصلت مروحيات الإنقاذ، كانوا في وضع لم يتمكنوا من النهوض من مكانهم “زادت حرارة الجو من عطشنا لدرجة أن العشرات ربما ماتوا من العطش. جلبت لنا طائرات الهليكوبتر الماء والطعام هذه المرة. كان طلبنا الوحيد هو إنهم إذا أحضروا أي شيء، فيجب أن يكون الماء. في ذلك اليوم، بعد إسقاط الطرود، نزلوا لفترة قصيرة وأخذوا عدداً قليلاً جداً من المرضى وكبار السن والأطفال والحوامل. أولئك الذين ذهبوا كانوا قليلين، لكن هذا كان أملاً لنا، قلنا في كل مرة ينقذون جزءً منا لكن هذا لم يحدث مرة أخرى. لم يأتوا مرة أخرى ولم يأخذوا أحداً. ولم تصل المساعدات مرة أخرى “.
ماتوا من العطش والبرد
وأشارت إلى أن العديد من النساء والأطفال فقدوا حياتهم على إثر العطش والجوع “لقد مر ما يقارب الأسبوع. عانى الأطفال والمرضى كثيراً. كان موت الأطفال والنساء من العطش والجوع والبرد أسوأ موت. عندما كان أحد الآباء يذهب إلى الجبل مع بناته الثلاث، ماتت إحدى بناته في الطريق، أخذ ابنته على كتفيه وتركها قرب صخرة وألقى عليها التراب، كان يرغب في الاعتناء بابنته التي ائتمنها بالحجارة والتراب. وبعد تقبيل الحجارة والتراب، واصل طريقه مع بقية بناته. في الليل في جبالنا يجذبك برد الوديان وفي النهار تحترق من حرارتها. من الضروري معرفة لغة الجبال جيداً. إذا كنت لا تعرف الجبال، فستدفع ثمناً غالياً في تلك الجبال التي تعتمدون عليها في الحماية. كان علينا أن نحارب الجوع والعطش والبرد والحرارة. كان شيوخنا يتمتعون بالمقاومة، وكانوا يعرفون الطقس الجبلي. لقد كانوا أصدقاء قدامى، وكانوا يحتضنون بعضهم البعض وإلى حدٍ ما يمكنهم التغلب على الصعوبات. كانت الجبال تحميهم وكان عدد وفيات كبار السن منخفضاً جداً. لقد اعتمدنا على معرفتهم. أولئك الذين لديهم خبرة حفروا حفراً لنا للاستلقاء فيها. في المساء، كنا نذهب اثنان أو ثلاثة منا للنوم في تلك الحفر. كانت الأرض تدفئنا. كنا نشعر بالبرد، لم نتجمد من الموت بل من الحياة. من بين الأطفال الذين لم يتحملوا البرد، كان هناك من لم يستيقظوا في الصباح. كل صباح، كان يسمع صوت أنين من وراء صخرة، كان هناك طفل أو رضيع لم يتحمل البرد وفقد حياته. فقد نُفوا في أرضهم، وماتوا في أرضهم، وكانت الحياة صعبة في ظل أسوأ الظروف”.
الأرض احتضنت أولئك الذين فقدوا حياتهم
يقولون “الطبيعة موسومة بالمقدسات الإيزيدية”. تعيش الأفاعي والأيائل والعقارب والديوك والطاووس وأشجار الجوز والخنافس وكل الطبيعة في المقدسات الإيزيدية. كل إيزيدي فقد حياته في الجبال أثناء المجزرة تم تسليمه إلى الأرض، ولم يتم التخلي عنهم. هناك 23 مكاناً مقدساً في شنكال، مقسمة بين الإيزيديين. يقول الإيزيديون أينما كانت قبة إلهنا يجب أن ندفن بجانبها، وإذا لم يمت شخص في منطقة، يدفن جسده في التراب إلى حين أن يدفن في مكانه. عندما توكل روحك إلى الأرض، فأنت تؤمن أن الأرض ستحمي الجسد حتى يأتي صاحبها ويأخذه. هذه الجبال والحجارة والأرض لم تحمي فقط أولئك الذين عاشوا، ولكن أيضاً أولئك الذين فقدوا حياتهم أثناء المجزرة. تواصل بيريتان شنكالي وصف أيامها الصعبة في الجبال.
تقول بيريتان شنكالي “خلال الأيام السبعة التي مكثنا فيها في الجبال، واجهتنا صعوبات لكننا كنا بأمان. وبعد سبعة أيام، اجتمع الجميع معاً وقررنا النزول من الجبال باتجاه الجنوب. سنذهب إلى قلعة حج علي قبسي. كان هذا المكان بالقرب من قبة شريف الدين، وتقع على منحدر الجبل. كنا نظن أن المجزرة كانت في شمال شنكال فقط”.
وأوضحت “نزلنا إلى قبة حج علي على شكل مجموعات. كان هناك أكثر من عشرين عائلة في كل مجموعة. لم يكن من الصعب علينا النزول من الجبل. في وقت قصير وصلنا إلى قمة قبة حج علي. عندما كنا ننظر إلى الأسفل، استطعنا أن نرى أن هناك الكثير من الناس. أولئك الذين جاءوا قبلنا أتوا مباشرة من قريتهم. من الواضح أن المرتزقة لم تصل حج علي. نزلنا وسألناهم عن حالتهم. دخل مرتزقة داعش جميع القرى في الجهة الشمالية وخطف أكثر من نصف أهالي قرية حردان. أولئك الذين استطاعوا إنقاذ أنفسهم، اعتمدوا على الجبال”.
وأضافت “قال أهالي حج علي نحن هنا منذ يوم المجزرة. نحن نعاني الكثير من الجوع والعطش. لكن المعلومات تفيد بوصول المقاتلين، جاؤوا لإنقاذنا. كان الجميع يتحدثون عن مقاتلي الكريلا. كما أن بعضهم قد رآهم، وتحدثوا عنهم بطريقة رائعة بحيث أنعشت فينا الأمل. قيل أن المقاتلين فتحوا ممراً إلى سنون ودكري لإنقاذ الناس. خلال المجزرة برمتها، لم يفعل أحد أي شيء من أجلنا، فقط مقاتلو حزب العمال الكردستاني جاءوا وكان لهذا تأثير كبير علينا. في اليوم الثاني من إقامتنا في حج علي، أحضر لنا المقاتلون الطعام والماء. قالوا لنا، كلو واشربوا، سنغادر لاحقاً. لم نكن نعرف إلى أين نذهب ولم يسألنا أحد إلى أين نحن ذاهبون، لقد آمنا جميعاً بطريقة ما بالمقاتلين الذين جاؤوا للقتال من أجلنا. شرب الجميع الماء وملأوا بطونهم. ثم غادرنا مع عائلاتنا. تم نقلهم من الممر الآمن إلى حدود روج آفا. استقبلتنا العديد من السيارات الفارغة على الحدود القريبة، وصعدنا إليها وتم نقلنا إلى روج آفا.
بعد عامين عادت إلى شنكال
تقول بيريتان شنكالي أن بعض الناس قالوا “لن نترك جبالنا، وإذا بقي المقاتلون هنا، فسنبقى هنا”، فيما اختار القسم الآخر البقاء في روج آفا، والعودة فيما بعد إلى شنكال إذا ما تم طرد داعش من شنكال “جزء من الإيزيديين أرادوا أيضاً الذهاب إلى إقليم كردستان، خاصة أنهم أرادوا الذهاب إلى منطقة الشيوخ. أرادو البقاء بالقرب من مكاننا المقدس لالش. ذهبت أيضاً إلى إقليم كردستان مع عائلتي. كانت أقدام الجميع تحترق من المشي. بقينا على الأرض لعدة أيام. حاولنا تغطية جراحنا لفترة. ساعدنا شعب إقليم كردستان. ذهبنا إلى زاخو مع عائلتنا واستقرينا في منزل هناك. تم إيواء العائلات الأخرى التي جاءت معنا في منازل أيضاً. بعد أن بقينا في تلك المنازل لمدة خمسة أشهر، أخرجنا أصحابها من منازلهم. تم وضعنا في المخيمات. بقينا في المخيمات لمدة عامين. خلال هذين العامين، بدأت عملية تحرير شنكال، ونجحت في العديد من الأماكن وما زالت مستمرة في بعض القرى. كعائلة، بعد تحرير شنكال، لم يعد بإمكاننا البقاء في المخيمات، وبعد عامين عدنا إلى شنكال، شعرنا بالذل بعيداً عن أرضنا”.
أعادوا بناء منزلهم
تقول بيريتان شنكالي إن أكثر ما كان ينقصهم في المخيمات هو الشعور بالانتماء، مشيرةً إلى أن أهم شيء بالنسبة لهم هو العيش على أرضهم “كان هذا هو الموضوع عندما كنا نقيم في المخيمات. كنا نعلم أن شنكال ليست شنكال السابقة. لقد حدثت مجزرة كبيرة، كانت هناك مذبحة كبيرة، كان هناك دمار في كل مكان، الذكريات والآلام ملأت جبالنا وسهولنا وقرانا. لقد ولدنا من التراب من جديد لنحرق أعدائنا. لهذا لم نقلق من تدمير قرانا. انتقلنا إلى شنكال. كان منزلنا مدمر. كانت الشوارع التي أمضيت فيها طفولتي أشبه برواية كتبت عن المجزرة. كلما قرأت أكثر، أحسست بما حدث. لقد تكاتفنا كعائلة وأعدنا منزلنا إلى حالة صالحة للسكن. لم يكن جيداً كما كانت من قبل لكنه كان في نفس المكان. قلنا “عندما تلتئم جراحنا سيكون بيتنا جميلاً. كلما رأيت واستمعت لما حدث في شنكال، زاد غضبي. بالطبع، أثرت مواقف الكريلا علي بشدة. المقاومة والقتال كانا تمثلان الإيزيدايتية نفسها”.
قررت أن تصبح مقاتلة
بعد كل ما عاشته وعانت منه بيريتان شنكالي، قالت في نفسها “الأمر لا يحتاج إلى الكثير من التفكير” وثم قررت أن تصبح مقاتلة “قررت الانضمام إلى وحدات المرأة في شنكال في عام 2018. حان الوقت للانتقام مما حدث لنا. حان الوقت للانتقام من آلاف النساء الإيزيديات اللواتي اختطفهن داعش. كامرأة، بعدما عشناه في المجزرة، لم أستطع العيش في المنزل كأنني امرأة عادية، وأن أسجن في المنزل وأتسامح مع مجزرة أخرى. لقد قطعت وعداً لمن رحلوا “سأكون محاربة من أجل هذه الجبال والإيزيدايتية”. اليوم، بصفتي امرأة إيزيدية، أحمل سلاحي بكل فخر. عندما أعبر هذه الشوارع، أمشي بفخر. عندما أنظر إلى كل ركن من أركان أرضي التي رويت بالدم، أجدد عهدي لجميع شهداء المجزرة. أنا الآن محاربة من أجل هذه الأرض . طالما أتذكر تلك الأمور التي عشتها خلال المجزرة، يجب أن أكون محاربة من أجل هذه الأرض. عندما كنت طفلة، أردت أن أصبح مقاتلة. لقد كبرت بسرعة، وشهدت على المجزرة، قابلت مقاتلي الكريلا، اقتربت من أحلامي وأصبحت مقاتلًة في الجبال. لقد تركت شجاعة المقاتلات ووجوههن الجميلة وحربهن الشجاعة ضد داعش انطباعاً كبيراً علي. لقد تأثرت كثيراً لدرجة أنني حلمت بهن دائماً. كلما اقتربت من المقاتلات، كلما فهمت سر جمالهن. كان سرهم العيش مع فلسفة القائد عبد الله أوجلان. وقد عزز هذا أيضاً علاقتي مع الإيزيدايتية والنساء والأرض وقادني إلى الشعور بالمسؤولية”.
وأضافت “عندما جاء مقاتلو حزب العمال الكردستاني لإنقاذنا، لم ينقذونا جسدياً فحسب، بل تم إنقاذنا فكرياً أيضاً. تعلمنا منهم أن الإيزيديين والإيزيدايتية يجب أن يكونوا أقوياء الإرادة وأن يعرفوا كيف يدافعون عن أنفسهم. بفضل حزب العمال الكردستاني، أدركنا أنه لا ينبغي لنا بعد الآن أن نعيش مرحلة المجزرة وما قبل المجزرة. لقد تعرفنا على أصدقائنا وأعدائنا من خلال الإيزيدايتية. تخلى عنا البشمركة التابعون للحزب الديمقراطي الكردستاني، وهربوا بعد أن شاهدوا جثثنا وهي مضرجة بالدماء. هل يمكن للإنسان أن ينسى الأشياء التي عاشها؟ لم أنسى. وكل امرأة إيزيدية على وجه الخصوص لن تنسى. المجتمع الإيزيدي والإيزيدايتية لم يعد بلا ذاكرة. أريد أن يعرف العالم كله هذا. بصفتي امرأة إيزيدية لدي الآن أهداف وغايات في الحياة. يجب ألا تشهد هذه الأراضي مجازر أخرى”.
أطالت شعرها من أجل الحرية
خلال لحظة تحدثت بيريتان شنكالي عن كل الأشياء التي مرت بها. حين تنظر بيريتان إلى الدروب التي مرت بها، يلفت انتباهها أعشاش الطيور الموجودة على قمم الأشجار. صنعت الطيور أعشاشها من شعر النساء. هذا الشعر يخص الأمهات اللواتي قُتلن في السوق القديم يوم المجزرة، واغتصبن وقُطعت أطراف أطفالهن وأجبرن على أكلها. كان هذا شعر الفتيات اللواتي دفن وهن ما زلن أطفالاً. قامت بيريتان الآن بإطالة شعرها من أجل الحرية. أعتقد الآن أن الطبيعة تشهد على الآلام التي عايشتها. بيريتان شنكالي التي نشأت في المجتمع الإيزيدي، تحملت مسؤولية رعاية طفل وهي لا زالت طفلة، ورأت أشياء في سن مبكرة لا يستطيع معظم الناس تحمل رؤيتها في حياتهم. لقد أصبحت رفيقة للطيور التي صنعت لنفسها أعشاشاً من الشعر المخضب بالحناء. وكما صنعوا أعشاشاً من الشعر، وجلبوا أطفالهم إلى العالم في تلك الأعشاش ويحمونهم، فإن بيريتان شنكالي أيضاً نذرت مشاعرها وأفكارها وموقفها من أجل حماية النساء اللواتي كن مثل الطيور التي تعشق الحرية. لقد أطالت شعرها من أجل الحرية.
النهاية…
شنكال. وكالة المراة الاخبارية